فصل: تفسير الآيات (24- 27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {يروا كيف} قرأ الأخوان وأبو بكر بالخطاب، على خطاب إبراهيم لقومه بذلك. والباقون بالغيبة ردا على الأمم المكذبة.
قوله: {كيف يبدئ} العامة على ضم الياء من أبدأ. والزبيري وعيسى وأبو عمرو بخلاف عنه {يبدأ} مضارع بدأ. وقد صرح بماضيه هنا حيث قال: {كيف بدأ الخلق} [العنكبوت: 20] وقرأ الزهري: {كيف بدا} بألف صريحة، وهو تخفيف على غير قياس. وقياسه بين بين، وهو في الشذوذ كقوله:
فارعي فزارة لا هناك المرتع

{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير (20)}.
قوله: {النشأة} قرأ ابن كثير وأبو عمرو {النشاءة} بالمد هنا والنجم والواقعة. والباقون بالقصر مع سكون الشين، وهما لغتان كالرأفة والرآفة. وانتصابهما على المصدر المحذوف الزوائد. والأصل الإنشاءة. أو على حذف العامل أي: ينشئ فينشؤون النشأة. وهي مرسومة بالألف وهو يقوي قراءة المد.
{وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (22)}.
قوله: {ولا في السماء} على تقدير أن يكونوا فيها كقوله: {إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات} [الرحمن: 33] أي: على تقدير أن يكونوا فيها. وقال ابن زيد والفراء: معناه ولا من في السماء أي: يعجز إن عصى يعني: أن من في السماوات عطف على {أنتم} بتقدير: إن يعص. قال الفراء: وهذا من غوامض العربية. قلت: وهذا على أصله حيث يجوز حذف الموصول الاسمي وتبقى صلته. وأنشد:
أمن يهجو رسول الله منكم ** وينصره ويمدحه سواء

وأبعد من ذلك من قدر موصولين محذوفين أي: وما أنتم بمعجزين من في الأرض من الإنس والجن ولا من في السماء من الملائكة، فكيف تعجزون خالقها؟ وعلى قول الجمهور يكون المفعول محذوفا أي: وما أنتم بمعجزين أي: فائتين ما يريد الله بكم.
وقوله: {ثم يعيده} {ثم الله ينشىء} مستأنفان، من إخبار الله تعالى، فليس الأول داخلا في حيز الرؤية، ولا في الثاني في حيز النظر. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} [العنكبوت: 22] وفي سورة الشروى: {وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} [الشورى: 31] للسائل أن يسأل عن زيادة الواو في سورة العنكبوت من قوله: {ولا في السماء} ولم يرد ذلك في سورة الشورى؟
والجواب عنه والله أعلم: أنه لما تقدم فيها قوله تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون} [العنكبوت: 4] وهذا من أشد الوعيد إذ حاصله أنه لا يفوته سبحانه أحد ولا مهرب منه تعالى إلا إليه ناسب هذا قوله تعالى: {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء} كما قال: {أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا} [القرة: 148] إلى ما ورد من هذا وذلك تناسب بين ولما لم يرد في سورة الشورى من أولها إلى الآية مثل هذا الوعيد الشديد ولا كان فيها ما يستدعي في هذا التعميم والاستيفاء الوعيدي وردت الآية مناسبة لذلك فقال تعالى: {وما أنتم بمعجزين في الأرض} ولم يكن التعميم هنا ليناسب فورد كل على ما يجب والله سبحانه أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير (19)}.
الذي داخلهم فيه الشك كان بعث الخلق، فاحتج عليهم بما أراهم من إعادة فصول السنة بعد تقضيها على الوجه الذي كان في العام الماضي. وبين أن جمع أجزاء المكلفين بعد انقضاص البنية كإعادة فصول السنة؛ فكما أن ذلك سائغ في قدرته غير مستنكر فكذلك بعث الخلق.
وكما في فصول السنة تتكرر أحوال العبادة في الأحوال العامة المشتركة بين الكافة، وفي خواص أحوال المؤمنين من استيلاء شهوات النفوس، ثم زوالها، إلى موالاة الطاعات، ثم حصول الفترة، والعود إلى مثل الحالة الأولى، ثم بعد ذلك الانتباه بالتوبة. كذلك تتكرر عليهم الأحوال.
وأرباب القلوب تتعاقب أحوالهم في القبض والبسط ثم في الهيبة والأنس. ثم في التجلي والستر، ثم في البقاء والفناء، ثم في السكر والصحو. وأمثال هذا كثير. وفي هذا المعنى قوله: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير}.
وفي معنى تكرير الأحوال ما أنشدوا:
كل نهر فيه ماء قد جرى ** فإليه الماء يوما سيعود

{يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون (21)}.
أجناس ما يعذب به عباده وأنواع ما يرجم به عباده. لا نهاية لها ولا حصر؛ فمن ذلك أنه يعذب من يشاء بالخذلان، ويرحم من يشاء بالإيمان. يعذب من يشاء بالجحود والعنود، ويرحم من يشاء بالتوحيد والوجود. يعذب من يشاء بالحرض ويرحم من يشاء بالقناعة. يعذب من يشاء بتفرقة الهم ويرحم من يشاء بجمع الهمة. يعذب من يشاء بإلقائه في ظلمة التدبير، ويرحم من يشاء بإشهاده جريان التقدير. يعذب من يشاء بالاختيار من نفسه، ويرحم من يشاء برضاه بحكم ربه. يعذب من يشاء بإعراضة عنه، ويرحم من يشاء بإقباله عليه. يعذب من يشاء بأن يكله ونفسه، ويرحم من يشاء بأن يقوم بحسن توليه. يعذب من يشاء بحب الدنيا ويمنعها عنه ويرحم من يشاء بتزهيده فيها وبسطها عليه. يعذب من يشاء بأن يثبته في أوطان العادة، ويرحم من يشاء بأن يقيمه بأداء العبادة. وأمثال هذا كثير.
{وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (22)}.
نقلب الجملة في القبضة، ونجري عليهم أحكام التقدير: جحدوا أو وحدوا، أقبلوا أم أعرضوا.
{والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم (23)}.
تعجلت عقوبتهم بأن يئسوا من رحمته. ولا عقوبة أشد من هذا. اهـ.

.تفسير الآيات [24- 27]:

قوله تعالى: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (24) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين (25) فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم (26) ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (27)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ختم سبحانه هذه الجملة الاعتراضية بما ابتدأها به وبما ختم به ما قبلها من كلام الخليل عليه الصلاة والسلام، وزاد هذا ما ترى من التهديد الشديد، شرع في إكمال قصته عليه الصلاة والسلام دالا على أنه لا أحد يعجزه، ولا يقدر على نصر أحد من عذابه الأليم، مشيرا إلى أنهم سببوا عن قوله ضد ما يقتضيه إيذانا بالعناد، والإصرار على سوء الاعتقاد، فقال: {فما كان جواب قومه} أي الذين يرجى قبولهم لنصحه علما منهم بوفور شفقته وعظم أمانته ونصيحته {إلا أن قالوا} بأعظم فظاظة {اقتلوه} أي بالسيف {أو حرقوه} أي بالنار.
ولما استقر رأي الجميع على هذا الثاني، ولم يكن له فيهم نصير، أشار إليه سبحانه بقوله ناسقا له على ما تقديره: فأبى المعظم القتل لأنه عذاب مألوف لمن يستحقه من المجرمين، وهو قد عمل عملة مفردة في الدهر فالذي ينبغي أن يخص العذاب عليها بعذاب لم يعهد مثله وهو الإحراق على هيئة غريبة، فرجعوا عن القتل واستقر رأيهم على الإحراق فجمعوا له حطبا إلى أن ملأ ما بين الجبال، وأضرموا فيه النار حتى أحرقت ما دنا منها بعظيم الاشتعال، وقذفوه فيها بالمنجنيق {فأنجاه الله} بما له من كمال العظمة إنجاء وحيا من غير احتياج إلى تدريج {من النار} أي من إحراقها وأذاها، ونفعته بأن أحرقت وثاقه.
ولما اشتملت قصته بهذا السياق على دلائل واضحات، وأمور معجزات، عظم أمرها سبحانه بقوله مؤكدا لمزيد التنويه بذكرها، وتنزيلا في توقفهم عما دعت إليه الآيات الظاهرة من الإيمان منزلة المنكر لها: {إن في ذلك} أي ما ذكر من أمره وما خللت به قصته من الحكم {لآيات} أي براهين قاطعة في الدلالة على جميع أمر الله من تصرفه في الأعيان والمعاني، لكون النار لم تحرقه وأحرقت وثاقه وكل ما مر عليها من طائر، ومع رؤيته ذلك لم يؤمنوا ولم يقدروا على ضرره بشيء غير ذلك.
ولما كان ما للشيء إنما هو في الحقيقة ما ينفعه، وكان قد حجبها سبحانه بالشهوات والحظوظ الشاغلة عن استعمال نور العقل، قال: {لقوم يؤمنون} أي يقبلون على استعمال نور العقل الذي وهبهموه الله فيصدقون بالغيب حتى صار الإيمان-بكثرة ما صقلوا مرائي قلوبهم بالنظر في أسبابه- لهم خلقا بحيث إنهم في كل لحظة يجددون الترقي في مراتبه، والتنقل في أخبيته ومضاربه.
ولما تقدم سلبه النفع عن هذه الأوثان، أشار هنا إلى نفع يعقب من الضر ما لا نسبة له منه، فليس حينئذ بنفع، فقال تعالى: {وقال} أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام غير هائب لتهديدهم بقتل ولا غيره، مؤكدا لأجل ما أشار إليه مما ينكرونه من ضعف شركائهم وعجزها: {إنما اتخذتم} أي أخذتم باصطناع وتكلف، وأشار لى عظمة الخالق وعلو شأنه بقوله: {من دون الله} أي الذي كل شيء تحت قهره، ولا كلفة- في اعتقاد كونه ربا- باحتياج إلى مقدمة جعل وصنعة ولا غير ذلك، وقال: {أوثانا} إشارة إلى تكثرها الذي هو مناف لرتبة الإلهية؛ وأشار إلى ذلك النفع بقوله: {مودة} أي لأجل مودة- عند من نصب سواء ترك التنوين وهم حمزة وخفص عن عاصم وروح عن يعقوب أو نون وهم الباقون {بينكم} من خفضه على الاتساع ورفع {مودة} وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس عن يعقوب كان المعنى: هي مودة البين الجامع لكم بمعنى مودتكم على وجه أبلغ، لأن المودة إذا كانت لبين جامع الناس كانت لأولئك الناس بطريق الأولى، ومن خفضه ونصبها وهم حمزة وحفص عن عاصم وروح عن يعقوب فالمعنى: لأجل المودة، ومن نصبها ونون وهم نافع وابن عامر وأبو جعفر وشعبة فالبين عنده ظرف {في الحياة الدنيا} بالاجتماع عندها والتواصل في أمرها بالتناصر والتعاضد كما يتفق ناس على مذهب فيكون ذلك سبب تصادقهم، وهذا دال على أن جمع الفسوق لأهل الدنيا هو العادة المستمرة، وأن الحب في الله والاجتماع له عزيز جدا، لما فيه من قطع علائق الدنيا وشهواتها التي زينت للناس، بما فيها من الإلباس، وعظيم البأس.
ولما أشار إلى هذا النفع الذي هو في الحقيقة ضر، ذكر ما يعقبه من الضر البالغ، فقال معبرا بأداة البعد إشارة إلى عظيم ذلك اليوم، وإلى أنه جعل لهم في الحياة أمدا يمكنهم فيه السعي للتوقي من شر ذلك اليوم: {ثم يوم القيامة} ساقه مساق ما لا نزاع فيه لما قام عليه من الأدلة {يكفر بعضكم ببعض} فينكر كل منهم محاسن أخيه، ويتبرأ منه بلعن الأتباع القادة، ولعن القادة الأتباع، وتنكرون كلكم عبادة الأوثان تارة إذا تحققتم أنها لا ضر ولا نفع لها، وتقرون بها أخرى طالبين نصرتها راجين منفعتها، وتنكر الأوثان عبادتكم وتجحد منفعتكم {ويلعن بعضكم بعضا} على ما ذكر {ومأواكم} جميعا أنتم والأوثان {النار} لتزيد في عذابكم ويزداد بغضكم لها {وما لكم} وأعرق في النفي فقال: {من ناصرين} أصلا يحمونكم منها، ويدخل في هذا كل من وافق أصحابه من أهل المعاصي أو البطالة على الرذائل ليعدوه حسن العشرة مهذب الأخلاق لطيف الذات، أو خوفا من أن يصفوه بكثافة الطبع وسوء الصحبة، ولقد عم هذا لعمري أهل الزمان ليوصفوا بموافاة الإخوان ومصافاة الخلان، معرضين عن رضى الملك الديان.
ولما كان في سياق الابتلاء، وذكر من الأنبياء من طال ابتلاؤه، بين أنه لم يكن لهم من أممهم تابع يقدر على نصرهم، وأن الله سبحانه تولى كفايتهم فلم يقدر واحد على إهلاكهم، وأهلك أعدائهم، فلم يكن لهم من ناصرين فقال: {فآمن له} أي لأجل دعائه له مع ما رأى من الآيات {لوط} أي ابن أخيه هاران وحده، وهو أول من صدقه من الرجال {وقال} أي إبراهيم عليهما الصلاة والسلام مؤكدا لما هو جدير بالإنكار من الهجرة لصعوبتها: {إني مهاجر} أي خارج من أرضي وعشيرتي على وجه الهجر لهم فمنتقل ومنحاز {إلى ربي} أي إلى أرض ليس بها أنيس ولا عشير، ولا من ترجى نصرته، ولا من تنفع مودته، فحينئذ يتبين الرضى بالله وحده، والاعتماد عليه دون ما سواه، فهاجر من كوثى من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى الأرض المقدسة، فكانت له هجرتان، وهو أول من هاجر في الله، قال مقاتل: وكان إذ ذاك ابن خمس وسبعين سنة.
ثم علل ذلك بما يسليه عن فراق أرضه وأهل وده من ذوي رحمه وأنسابه وأولي قربه، فقال مؤكدا تسكينا لمن عساه يتبعه وتهوينا عليه لفراق ما ألفت النفوس من أنه لا عز إلا به من العشائر والأموال والمعارف: {إنه هو} أي وحده {العزيز} أي فهو جدير بإعزاز من انقطع إليه {الحكيم} فهو إذا أعز أحدا منعته حكمته من التعرض له بإذلال، بفعل أو مقال، كما صنع بي حين أراد إذلالي من كان جديرا بإعزازي من عشيرتي وأهل قربى، وبالغ في أذاي ممن كان حقيقا بنفعي من ذوي رحمي وحبي.
ولما كان التقدير: فأعززناه كما ظن بنا إعزازا أحكمناه حتى استمر في عقبه إلى القيامة، عطف عليه قوله: {ووهبنا له} أي بجليل قدرتنا شكرا على هجرته {إسحاق} من زوجته سارة عليها السلام التي جمعت إلى العقم في شبابها اليأس بكبرها، وعطفه لهبته له بالواو دليل على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الصافات من أن الذبيح إسماعيل عليه الصلاة والسلام لتعقيبه للهبة هناك على الهجرة بالفاء {ويعقوب} من ولده إسحاق عليهما الصلاة والسلام.
ولما كان السياق في هذه السورة للامتحان، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد ابتلي في إسماعيل عليه الصلاة والسلام بفراقه مع أمه رضي الله عنهما ووضعهما في قضيعة من الأرض لا أنيس بها، لم يذكره تصريحا في سياق الامتنان، وأفرد إسحاق عليه الصلاة والسلام لأنه لم يبتل فيه بشيء من ذلك، ولأن المنة به- لكون أمه عجوزا وعقيما- أكبر وأعظم لأنها أعجب، وذكر إسماعيل عليه الصلاة والسلام تلويحا في قوله: {وجعلنا} أي بعزتنا وحكمتنا {في ذريته} من ولد إسحاق وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام {النبوة} فلم يكن بعده نبي أجنبي عنه، ومتى صحت هذه المناسبة لزم قطعا أن يكون الذبيح إسماعيل عليه الصلاة والسلام فإنه أعرى ذكر هذه السورة منه، ويكون كأنه قيل: إنا بشرناه بما يسر به من إسحاق بعد أن أمرناه بما يضر من إسماعيل عليهما السلام فصبر في محنة الضراء، وشكر في محنة السراء {والكتاب} فلم ينزل كتاب إلا على أولاده، وأفرد ليدل- مع تناوله بالجنسية الكتب الأربعة- على أنه لا شيء يستحق أن يكتب إلا ما أنزل فيها، أو كان راجعا إليه، ولو جمع لم يفد هذا المعنى {وآتيناه أجره} على هجرته {في الدنيا} بما خصصناه به مما لا يقدر عليه غيرنا من سعة الرزق، ورغد العيش، وكثرة الخدم، والولد في الشيخوخة، وكثرة النسل، والثناء الحسن، والمحبة من جميع الخلق، وغير ذلك.
ولما كان الكافر يعتقد- لإنكاره البعث- أنه نكد حياته بالهجرة نكدا لا تدارك له، اقتضى الحال التأكيد في قوله: {وإنه في الآخرة} أي التي هي الدار وموضع الاستقرار {لمن الصالحين} الذين خصصناهم بالسعادة وجعلنا لهم الحسنى وزيادة. اهـ.